تحليل إخباري يكتبه :محمد أبوزيد
في العقد الأخيرين ، شهد العالم صراعًا عسكريًا غير مباشر بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أخذ شكل "مباراة البينج بونج"، حيث تتبادل طهران وتل أبيب الضربات، دون الوصول إلى مواجهة شاملة.
هذا الصراع لم يتم على أرض البلدين مباشرة، بل على الأراضي السورية، وفي بعض الحالات عبر عمليات اغتيال أو هجمات بطائرات مسيّرة داخل إيران أو إسرائيل، في إطار تصعيد يبدو أحيانًا وكأنه بلا نهاية.
ومنذ طوفان الأقصى قفز الصراع بين طهران وتل أبيب عشرات الخطوات للأمام، وأصبح مباشرا وداخل العمق لكليهما.
و بالأمس هاجمت دولة الاحتلال إيران بعشرات من الطائرات الحربية للمرة الأولى في التاريخ، مسجلة الهدف الثالث في المباراة في مرمي الدفاع الإيراني.
فهل انتهت المباراة حقًا عند هذا الحد لصالح تل أبيب ، أم أن لطهران يدًا عليا في النهاية؟
قصف القنصلية وبداية الحرب المباشرة
بدأت "اللعبة" بتصعيد غير مسبوق من تل أبيب عندما قامت في منتصف العام الجاري بقصف القنصلية الإيرانية في سوريا.
يعتبر هذا الهجوم انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، إذ تُعد القنصليات والسفارات جزءًا من أراضي الدولة التي تتبع لها.
الهجوم أدى لمقتل قيادات مهمة في الحرس الثوري الإيراني، مما خلق ضجة كبيرة وأشعل حالة من التوتر المتصاعد بين الجانبين. شكل هذا الهجوم "الجيم" الأول لصالح إسرائيل في المباراة.،بنتيجة 1 صفر لصالح إسرائيل
الرد الإيراني: إطلاق المسيرات واستهداف تل أبيب
لم تلتزم إيران الصمت طويلًا، بل ردت على هذا الهجوم بعدها بأيام ، وانطلقت مئات الطائرات المسيرة الإيرانية نحو إسرائيل، وهو رد غير تقليدي وغير مسبوق في سياق الصراع.
فللمرة الأولى، تقوم إيران بقصف تل أبيب مباشرة من قلب طهران، ونجحت الطائرات المسيّرة في إحداث أضرار ملموسة، مما أثبت فعالية أسلوبها الحربي. ورغم تصدي الدفاعات الإسرائيلية لمعظم هذه الطائرات، فإن العملية كشفت عن مدى استعداد إيران لتوسيع نطاق ردها ليشمل الأراضي الإسرائيلية مباشرة، وهو تطور نوعي مذهل ، أتاح لإيران تحقيق التعادل 1-1.
null
اغتيال هنية والضربة القاصمة
في خضم هذه "المباراة"، أتت الضربة الأقسى من إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية، قائد حركة حماس، خلال زيارته إلى طهران، وهذه العملية هي أكبر ضربة، وأخطر عملية عسكرية تعرضت لها إيران من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تماثل هجوم بري إسرائيلي علي الأراضي الايرانية، لما تحمله من دلالات مخيفة عن الاختراق والتخطيط والتنفيذ.
تلا ذلك اغتيال قائد حزب الله حسن نصر الله وبعده هاشم صفي الدين وقبله فؤاد شكر وقيادات وحدة الرضوان والقيادات العسكرية لحزب الله.
هذه الضربات المكثفة والمتلاحقة زادت من عمق الجراح الإيرانية، ليصبح التقدم 2-1 لصالح إسرائيل في المواجهة.
الصواريخ الفرط صوتية
انتظرت إيران عدة أشهر، وهي مثخنة بالجراح خاصة مع وجود الجينات الفارسية في التركيبة التاريخية والجيوستراتيجية للدولة الإيرانية، فاغتيال هنية في قلب طهران ونصر الله وما ادراك ماذا يمثل نصر الله بالنسبة لإيران لم يكن ليمر إطلاقا دون حساب عسير ، وإلا فالذولة الإيرانية بتاريخها وجغرافيتها وطموحها الإقليمي قد تصبح في عداد الموتى.
وبعد شهور ردت إيران بعملية قوية ومدمرة عبر إطلاق 200 صاروخ باليستي من الصواريخ الفرط صوتية، استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية ومواقع تابعة لسلاح الطيران، مما أسفر عن تدمير عدة طائرات "إف-35"، وهي الطائرات الأحدث والأغلى والأخطر في العالم .
وهي الطائرات التي استخدمتها إسرائيل في اغتيال حسن نصر الله وقيادات أخرى.
وبفعل الضربة الإيرانية باتت تلك الطائرات عاجزة عن التحليق لبعض الوقت.
جاء هذا الهجوم كخطوة متقدمة في المواجهة العسكرية، وأسهم في إعادة
التوازن للنتيجة لتصبح 2-2.
2-3 لصالح إسرائيل
في ليلة أمس ، عادت إسرائيل لتسجل الهدف الثالث عندما شنت طائراتها الحربية هجومًا داخل إيران، مستهدفة مواقع دفاع جوي إيرانية ومصانع إنتاج الصواريخ الباليستية. أسفر الهجوم عن مقتل جنديين إيرانيين فقط ، وتدمير بعض المواقع الاستراتيجية.
هذا الهجوم أثار الكثير من التساؤلات، ومنها هل ترد إيران، ولماذا لم تضرب إسرائيل المنشآت النووية و النفطية كما هددت من قبل، وهل هذا الهجوم لحفظ ماء الوجه فقط؟
هل تنتهي المباراة عند هذا الحد؟
يتساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه المباراة العسكرية قد انتهت لصالح تل أبيب، أو إذا ما كانت إيران سترد بتصعيد أكبر. الواقع يشير إلى أن إيران، من خلال دعمها العسكري والمادي الواسع للمقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان، تحتفظ بورقة ضغط قوية على إسرائيل، تجعلها قادرة على إيلامها بطرق غير مباشرة. إلى جانب ذلك، تمكنت إيران من تنمية قدراتها العسكرية، وامتلاك تقنيات متقدمة في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الفرط صوتية، التي أثبتت فعالية في عملياتها الأخيرة.
الخسائر العسكرية والإستراتيجية لدى الطرفين منذ بدء المباراة
منذ بدء الصراع العسكري الأخير الذي تصاعد بشكل ملحوظ مع عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة. فقد دمرت عشرات المباني في المدن المحتلة، وقتل المئات من ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي منهم عدد كبير من قيادات الجيش ، وانهارت ثقة المجتمع الإسرائيلي في قدرة الجيش على حماية المدن الإسرائيلية من الصواريخ القادمة من غزة. أما إيران، ورغم الخسائر الناتجة عن اغتيال قيادات بارزة، فإنها لا تزال تحتفظ بقدراتها وتستمر في تحقيق مكاسب على الصعيدين العسكري والإقليمي.
وكل عملية تقوم بها المقاومة في غزة ولبنان ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي يتم حساب جزء من نتائجها لصالح إيران وذلك داخل العقلية الإسرائيلية بحكم أن إيران هي الممول والداعم الأول والأخير للمقاومة في لبنان وغزة.
ختاما يبدو أن هذه المباراة بين إيران وإسرائيل قد تكون بعيدة عن النهاية، وما قد يبدو كفوز لإسرائيل في جولة معينة لا يعني انتصارًا نهائيًا. إن إيران لا تزال متقدمة على إسرائيل بفضل قدراتها العسكرية ودعمها القوي لحلفائها في المنطقة، مما يعني أن الصراع سيستمر بوتيرة أعلى وبأساليب أكثر تعقيدًا، وقد تشهد المنطقة ضربات موجعة أكثر للطرفين، في انتظار ما سيحمله المستقبل من مفاجآت.